سوريا بعد الأسد- آمال عربية وتحديات مصيرية

المؤلف: هيلة المشوح10.27.2025
سوريا بعد الأسد- آمال عربية وتحديات مصيرية

إن مرور اثني عشر عامًا من الجهود المضنية التي بذلها الشعب السوري للإطاحة بنظام الأسد قد تكثفت واختزلت في اثني عشر يومًا حاسمًا، شهدت تقدمًا ملحوظًا للثوار نحو دمشق، وتحريرها، وهروب رأس النظام. يا لها من مفارقة زمنية تبعث على الدهشة! ولكنها قد تبدو أكثر منطقية إذا ما انكشفت خفايا هذا اللغز في المستقبل القريب. غير أن الأمر الأهم من ذلك، يكمن في الاهتمام العربي المتزايد بهذا المشهد المعقد، والسعي الجاد لاحتواء سوريا وشعبها تحت مظلة عربية خالصة، وتقديم دعم شرق أوسطي راسخ يعزز مكانة سوريا التاريخية والعربية. وتُعتبر قمة العقبة التي استضافتها الأردن شاهدًا حيًا على المبادرة العربية الطيبة تجاه سوريا وشعبها بعد سقوط النظام، وذلك لكيلا تقع فريسة لهيمنة خارجية متعددة الأطراف، وتنزلق إلى نفق مظلم آخر من التدخلات والنفوذ الجائر!

إن سوريا اليوم، هي محور الاهتمام العربي والدولي، وهي الحدث السياسي البارز الذي لا يغفل عن تفاصيله الكبار والصغار، وهي القضية الرئيسية المطروحة على موائد السياسة، وموضوع الحديث في المجالس والدواوين العربية. فالجميع يتناول أخبار تدفق الثوار، وسجون نظام الأسد المروعة، ومشاهد التعذيب الوحشية، وأدوات القتل الفتاكة، ومصانع الكبتاجون الخبيثة، ورواتب الموظفين المتأخرة، والبراميل المتفجرة المدمرة... وغيرها الكثير. وفي المقابل، هناك من يستبشر بمستقبل مشرق، وهناك من يتوجس خوفًا، وهناك من يراقب المشهد بعين فاحصة وعقل راجح. فالحاضر لا يعكس المستقبل بالضرورة، فالصدوع العميقة التي أحدثها النظام السابق في جسد سوريا أكبر من أن ترممها أية محاولة ترقيع. فالتعددية العرقية والدينية وحدها تتطلب حنكة وحكمة جمة لتوحيدها تحت راية الوطن الواحد، وبإدارة عقول واعية ورزينة، وليس بعقل قائد واحد يؤمن بالتعددية ويطلق الوعود باحتوائها، حتى وإن كان يتمتع بذكاء خارق وفطنة متوقدة. فالثوار أو "المعارضة" كما يسمون أنفسهم، أتوا من خلفية واحدة وبغطاء عقائدي واحد، وكما رأينا نماذج جيدة ومعتدلة لبعضهم، فقد شهدنا نماذج أخرى تنحرف عن ذلك المسار القويم، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية، ناهيك عن إدارة دولة تعتبر ساحة للصراع الدولي في المنطقة، ومطمعًا لقوى إقليمية متعددة، ومرتعًا للعبث الإسرائيلي الذي من شأنه أن يخلق صراعات جديدة لا نهاية لها. هذا فضلًا عن الخلايا الإرهابية التي سوف تستغل حالة الفراغ الأمني، كما فعل تنظيم داعش الإرهابي الذي بدأ بالفعل بشن هجمات نوعية في البادية السورية، وقتل العديد من العسكريين ورعاة الأغنام الأبرياء!

على الرغم من التوترات الإقليمية المتصاعدة، والأحداث الدامية التي شهدتها المنطقة في المرحلة الراهنة، فإنه يُحسب للمشهد السوري هذا التحول السلمي الذي تميز بالهدوء والسكينة، دون إراقة دماء أو عنف أو فوضى تذكر، إضافةً إلى الانتقال المنظم للسلطة بطابع سلمي وغير عشوائي، وهذا من شأنه أن يزرع بعضًا من الطمأنينة والأمل في مستقبل سوريا العربية، التي تصدرت طاولات الحوار العربية وقممها واجتماعاتها، لما تحظى به من اهتمام بالغ، ولما يُعد لها من احتضان عربي كريم، وفق سلطة تراعي حقوق الشعب، وتبني وطنًا يستحق الأفضل على جميع الأصعدة والمستويات. هذا وقد كان البيان الختامي لقمة العقبة التي عُقدت في الأردن في الرابع عشر من هذا الشهر بشأن المستجدات في سوريا، واضحًا وجليًا في بنوده التي كان أهمها:

الوقوف صفًا واحدًا إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل أشكال العون والدعم والمساندة له في هذه المرحلة الدقيقة والحاسمة، واحترام إرادته الحرة وخياراته المستقلة.

ضرورة الوقف الفوري والشامل لجميع العمليات العسكرية، ووجوب احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه، ومن دون أي تمييز أو تفريق على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين السوريين.

الالتزام الراسخ بتعزيز الجهود الحثيثة لمكافحة الإرهاب بكل صوره وأشكاله، والتعاون الوثيق في محاربته والقضاء عليه، في ضوء أنه يشكل خطرًا داهمًا على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم بأسره، ويشكل دحره والقضاء عليه أولوية قصوى ومسؤولية مشتركة.

وفي اعتقادي الجازم، فإن الفقرة الأخيرة هي بمثابة الأساس المتين والبناء الحقيقي لدولة آمنة ومستقرة ومزدهرة، حفظ الله سوريا عربية أبية مزدهرة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة